جبال الأحساء وكهوفها
بين التاريخ والترفيه
احتفى السعوديون بالذكرى السابعة لبيعة خادم الحرمين الشريفين، دائمًا كانت الجبال هي الملتجأ، حيث علوها يكفل الأمان، وفي كهوفها عزلة فريدة. منطقة الأحساء الواقعة شرق المملكة العربية السعودية لا تتميز بنخيلها فقط، أو بصناعة المشالح، إنما حباها الله بتضاريس طبيعية تمثلت في جبالها المختلفة.
الأحساء: إبراهيم اللويم
جبل كنزان.. متنفس رحب
يُعد جبل كنزان، أو ما يعرف بجبل الشعبة حاليًا، أحد المعالم السياحية المعروفة في محافظة الأحساء، حيث يقع هذا الجبل التاريخي، الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، في الجهة الغربية الشمالية من واحة الأحساء الزراعية، إذ يحده من الجهة الشرقية موقع مسجد جواثا الذي أقيمت فيه أول صلاة جمعة في الإسلام، ومن الجهة الشمالية بلدة الشعبة التي كانت تشتهر قبل 50 عامًا بشعب المياه لكثرة العيون فيها، ولقرب الجبل منها سمي فيما بعد باسم «جبل الشعبة».
يبلغ طول جبل كنزان نحو 15 كم، وبعرض 4 كم، أما ارتفاعه فيبلغ نحو 246م فوق سطح البحر. وما يميز جبل الشعبة أنه شهد إحدى معارك الانتصار للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ضد خصومه في عام 1333هـ.
تضاريس جبل كنزان الصخرية تنقسم إلى قسمين: هضبة صخرية تقع في جهته الشمالية، وأخرى في الجنوب، وتفصل بينهما فتحة بعرض 600م. وهذه الميزة التي يتصف به هذا الجبل جعلت منه درع حماية بين واحة الأحساء وزحف الرمال في الجهة الشرقية.
تغطي الرمال أجزاء كبيرة من جبل الشعبة، إضافة إلى ما يحيطه من مسطحات رملية، ومجموعة من الهضاب المكونة من الصخور الرسوبية. هذه التضاريس جعلته مكانًا يقصده الناس بمختلف فئاتهم العمرية من العائلات والشباب، سواء من داخل المحافظة أو خارجها، للتنزه والاستمتاع برؤية واحة الأحساء الخضراء والمنازل القريبة منها من على قمة الجبل في منظر ساحر خلاب.
يعد جبل كنزان في وقتنا الحالي من أشهر الأماكن جذبًا للسياحة في واحة الأحساء الخضراء، لأنه أصبح مقصدًا لهواة رياضة «التطعيس» الذين يمارسون هوايتهم بوساطة سيارات الدفع الرباعي من خلال الصعود والنزول من على تلاله الرملية، وخصوصًا في إجازة نهاية الأسبوع أو أيام شهر رمضان المبارك، حيث يتحول المكان بسبب تزاحم عشاق هذه الرياضة إلى منظر أشبه بالمهرجان، ما دعا إلى صدور موافقة وزير الشؤون البلدية والقروية على مشروع تطويره وتحويله إلى منتجع سياحي بإشراف مباشر من قبل أمانة المحافظة.
جبل الأربع.. لوحة تشكيلية
جبل الأربع أو «بر الأربع» كما يسميه أهالي الأحساء وذلك لوجود أربعة من التلال الجبلية المكونة من الصخور الرسوبية. ثلاثة منها متقاربة مع بعضها، وواحد يبعد عنها بضعة أمتار. يقع هذا الجبل في الجهة الشرقية الجنوبية من المحافظة وتحديدًا بالقرب من بلدتي الطرف والجفر من القرى الواقعة في شرق الواحة بمحاذاة الطريق الدولي المؤدي إلى دولة قطر، حيث يبعد عن مدينة الهفوف نحو 20 كلم، إذ يبلغ طول هضابه الأربع من الجهة الشمالية إلى الجنوبية بحدود 8 كلم، وبعرض يصل إلى 5 كم، وبارتفاع 200م من فوق سطح البحر.
ما يميز هذا الجبل أن هضابه الأربع متلاصقة كلوحة تشكيلية متقنة، حيث يخيل للرائي كأنها في طريقها إلى السقوط, إلا أنها ثابتة. يوجد في داخل هذه الجبال عدد من الكهوف التي تختلف في مساحاتها، وقد تشكلت بسبب عوامل التعرية التي مرت على الجبل طوال السنين. تتميز كهوف جبل الأربع بأنها لا تسكنها الحيوانات، لذا غدت من أكثر الكهوف الجبلية أمنًا في العالم بعد جبل القارة الشهير الذي يستطيع الإنسان العيش فيه دون خوف.
أما الفضاء الرملي المحيط بجبل الأربع فقد تحول إلى ميدان لرياضة الفروسية، حيث تتم فيه استضافة الدورة السنوية لسباق «عز الخيل الدولي» وهو أحد السابقات التي تشارك فيها مجموعة من الخيول العربية التي تعود ملكيتها إلى مجموعة من أبناء الواحة وبعض دول الخليج العربي، ولهذا فقد صدرت الموافقة من قبل الاتحاد السعودي للفروسية بإنشاء ميدان وناد دولي للفروسية، إضافة إلى مضمار آخر لسباقات الهجن يسمى حاليًا مضمار الجزيرة في هذا الموقع المميز الذي يحرص كثير من هواة تربية الخيول على زيارته بشكل أسبوعي.
جبل القارة.. برودة منعشة
جبل القارة معروف بصخوره ذات الأشكال الرائعة والبديعة، إذ يعد من أهم المعالم السياحية في الأحساء, وهو معروف منذ تاريخ قديم بجبل الشبعان، وقد سمي بهذا الاسم لوجود هضبة صخرية تقع في قمة الجبل تسمى رأس القارة، حيث يقع هذا الجبل في وسط الواحة الخضراء، على بعد 12 كم إلى الشرق من الهفوف ومساحة قاعدته بنحو 1400 هكتار، وارتفاعه حوالي 150 قدمًا، وتتكون هضابه وتلاله من صخور رسوبية، إذ يمكن ملاحظة الطبقات الرسوبية على هذه التلال بالعين المجردة، وحاليًا الجبل منفصل عن الواحة بطريق إسفلتي يمر بأربع قرى هي:
القارة، والتوثيير، والدالوة، والتهيمية.
جبل القارة الذي يتربع فوق واحة خضراء تطوقها غابة من النخيل، تُحكى عنه بعض الأساطير التي ظلّت تتناقل من جيل إلى آخر. أما ما جعله مميزًا وأكسبه شهرة واسعة سواء في الماضي أو الحاضر على مستوى الجزيرة العربية، فيعود ذلك إلى وجود عدد كبير من المغارات والكهوف داخله، كما يتميز عن بعض الجبال بخصائص طبيعية لا تجدها في غيره على مستوى العام.
فطبيعته المناخية التي يتميز بها هي أكثر ما يثير الدهشة لدى أهل الأحساء وزوارها، فالجبل يمتاز بظاهرة انخفاض درجة الحرارة داخله صيفًا وارتفاعها شتاءً، وتُعد مغارة «الناقة» الواقعة في الوسط الشرقي من الجبل من أكبر المغارات فيه، وذلك لاحتوائها على عدد من الكهوف التي تتمتع بمناخ بارد طبيعي في فصل الصيف الحار، ودافئ في الشتاء، ما جعل الزوار يتوافدون على الجبل للجلوس والاستمتاع بداخلها. كذلك هناك مغارة تسمى «بالغيران» كان كبار السن في الماضي يقيمون فيها ما يشبه بحلقات تحفيظ القرآن الكريم. وكذلك مغارة تسمى «المعظمة» أو الثلاجة لشدة برودتها في الصيف، ومدخلها عبارة عن فتحة صغيرة جدًا يحتاج من يريد الدخول فيها أن يحني ظهره، وفي هذا المكان لا يمكن النوم أو الجلوس لشدة برودته. ومن أسماء المغارات، أيضًا، ما يعرف بمغارة «العيد»، وهذه جعلت الجبل على الدوام وعلى مرِّ العصور يشهد العديد من الفعاليات الاجتماعية، حيث كان الأهالي في القرى المحيطة منذ زمن بعيد وحتى ظهور الكهرباء يقصدونه للفرار من لهب الشمس وحرارتها في فصل الصيف، أيضًا، كان الجبل مكانًا لحلقات التعليم.